موضوع الشهر
موضوع شهر نيسان 2011 الخريطة ، التي هي تمثيل مبسط للواقع ، إنها نمذجة لبعض المظاهر المكانية الموجودة على سطح الكرة الأرضية وتمثيلها على الخريطة . ويعدها منتجوها رسالة موجهة إلى المتلقي (المستخدم) . وهذه الرسالة يجب أن تكتب بلغة سلسلة مفهومة من قبل المستخدم . ولا يقصد هنا ب(اللغة) مجموعة اللغات المتعارف عليها (عربية ، انكليزية ، صينية ، ….. الخ) ، وإنما اللغة الخرائطية ، التمثيل ألخرائطي لعناصر الواقع المطلوب إسقاطها ورسمها على الخريطة . وهذه اللغة يجب أن تكون معيارية لأنها تتجاوز جميع اللغات في انتشارها و تعاملها ، حيث إنها عالمية قبل ظهور العولمة بردح من الزمن . وهذه اللغة رمزية بطبيعتها ، فكل مظهر على سطح الكرة الأرضية له ما يمثله من رموز وتمثيل كرافيكي متفق عليها عالميا .
برزت مشكلة التمثيل ألخرائطي للعيان في الآونة الأخيرة نتيجة التطورات التي حصلت في عملية إنتاج الخريطة ، وفي طبيعة استخدامها وتنوع مستخدميها . ولا يقصد هنا الاستخدام النوعي فحسب ، بل و الكمي المتنوع أيضا . وما حصل في الاستخدام كان له مثيله في عملية الإنتاج حيث أصبح إنتاج الخريطة سهلا وممكنا لكل مستخدم لبرمجيات رسم الخرائط ، سواء أكان عارفا بلغة التمثيل ألخرائطي أم لا . يضاف إلى ذلك ، أن الخريطة قد قفزت من حالة ساكنة (على الورق) إلى حالة دينامكية تفاعلية مع مستخدمها ، يتغير مقياس رسمها ، وكذا نوعية ومستوى تفاصيلها مع كل تغيير في مقياس الرسم تقريبا وابتعادا Zooming . لقد أصبحت أكثر تعقيدا من الناحية الفنية ، وأسهل نسبيا في عملية الرسم و الطبع والنشر .
كان هذا التغيير في الخريطة نتيجة لعملية الأتمتة Automated التي جرت عليها
و التي نقلتها إلى عالم جديد ، حيث أصبحت الخريطة بنك معلومات بذاتها ، وأضحت غرفة عمليات محدثة أليا (بعد أن كانت تعلق في غرف العمليات العسكرية ، الأمنية ، التجارية ، الإدارية ، …… الخ) . يضاف إلى ذلك أن استخدامها قد أصبح شائعا و تداولها يوميا من قبل معظم إن لم يكن جميع شرائح المجتمع ، ولأغراض متنوعة بدرجة لا تصدق . لم تعد الخريطة حكرا على فئة ، أو ملكا أزليا لمجموعة معينة . إنها مشاعة و متاحة للجميع إنتاجا و استخداما . قد يكون هذا القول فيه شيء من التضخيم ، ولكنه يضم في حناياه الكثير من الحقيقة .
لقد كانت الخريطة ، وما زالت ، ركنا أساسيا في منظومة برمجيات نظم المعلومات الجغرافية ، وقواعد البيانات المكانية . والتوجهات والتطورات التي تعمل الشركات والمؤسسات ذات الصلة بنظم المعلومات الجغرافية وقواعد البيانات المكانية على تحقيقها مبنية على أن الخريطة كقاعدة بيانات ، يمكن استخدامها في عمليات التحليل ، و التوقع ، و تصور سيناريوهات احتمالية الحدوث ، وبالمحصلة النهائية ، تكون الخريطة قاعدة جوهرية لصناعة القرارات على مستوى الدولة و المؤسسات والأفراد . بهذا فان رسالتها تعدت ثنائية (المنتج – المستخدم) حيث أصبح استخدامها (الخريطة ذاتها) لأكثر من غرض و من قبل أكثر من شخص واحد ، بما فيه منتجها نفسه . فبالنسبة للباحثين ، تستخدم في الغالب من قبل منتجها في عملية التحليل المكاني و استشفاف الأنماط و العلاقات المكانية ، و غيرها من عمليات تقصي واختبارات كانت صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة مع الخرائط التقليدية . لقد أصبحت فسحة الحركة (أفقيا وعموديا) داخل الخريطة ممكنة ، وتتجاوب مع متطلبات الباحث طالما تحتوي جداولها بيانات و معلومات ذات علاقة بالتقصي . الخريطة هنا أسيرة جداول بياناتها ، وحدود الأسر مرهونة بتوفر البيانات والمعلومات عن الرقعة الجغرافية التي تمثلها الخريطة وتحديثها .
إن قواعد وأسس رسم الخريطة يجهلها الكثيرون ، يضاف إلى ذلك أن الخريطة التي تعتمدها نظم المعلومات الجغرافية ذات أسس جغرافية ، تختلف بدرجة وأخرى عن الخريطة التي يعتمدها المساحون والمهندسون و الجيولوجيون ، وغيرهم من المتعاملين مع الخريطة بحكم الاختصاص والمهنة . بمعنى ، أن الأسس الخرائطية المطلوب التمكن منها و تطبيقها في نظم المعلومات الجغرافية هي التي يعتمدها الجغرافيون في رسم الخريطة ، وهذه غير معروفة (نسبيا) حتى بالنسبة لمن يتعامل مع الخريطة مهنيا ، فكيف الحال مع من يتعامل مع الخريطة لأول مرة في حياته المهنية و اليومية ؟ من هنا جاءت أهمية نشر الوعي ألخرائطي لمن يتعامل مع نظم المعلومات الجغرافية مهنيا ، والتذكير بهذه الأسس قبل أن يغطي الزبد الدر الكامن في أعماق برمجيات نظم المعلومات الجغرافية . هذا هو الهدف الأساس لعقد هذه الحلقة النقاشية ، واستضافة أكاديميين معنيين بعلم الخرائط ، و بالجغرافيا و المهنيين العاملين في حقل نظم المعلومات الجغرافية .
عند النظر إلى التغيرات التي حدثت في برمجيات نظام المعلومات الجغرافية ، منتجات شركة ESRI على وجه الخصوص نلحظ التوجه للتعمق عند التعامل مع الخريطة واستخدامها لأغراض متعددة ، وتوسيع للخيارات المتاحة للمستخدم مع نسخة وإصدار جديد . فبرنامج ArcView 3 مثلا كان خرائطي قريب من النمط التقليدي لإنتاج الخريطة ، وكانت قاعدة بياناته بسيطة جدا ، لذا كان حجم البرنامج صغيرا جدا ، وسهل التنصيب و التشغيل وخياراته محدودة جدا .
تعد شركة ESRI نسخ ArcGIS 9x نقلة نوعية في برمجياتها لما تحويه من تسهيلات و وظائف تعزز عملية إنتاج الخريطة و تيسر عملية تحليلها و اتخاذ القرارات في ضوء ذلك . وقد تم التركيز في هذه الإصدارات على إدارة قواعد البيانات المكانية ضمن البرنامج . فالنقلة النوعية جاءت هنا في التركيز على قواعد البيانات و إدارتها تنظيما للعمل وتسهيلا للمنتج والمستخدم في وقت واحد . ولهذا تعددت (النظم) الثانوية المكملة و المصاحبة للبرنامج الرئيس (النظام المركزي) . ولكل نظام ثانوي وظائف محددة يؤديها لتكملة عمل البرنامج الأساس في النظام المركزي . وعلى المستخدم وفقا لهذه البرمجيات أن يتنقل من نظام إلى آخر ، ويشكل هذا (ضياعا) للوقت لدى البعض .
ولتجاوز هذه (المشكلة) جاء إصدار ArcGIS 10 ليجمع النظم الثانوية ممثلة بنوافذها الوظيفية في شاشة واحدة ممكنا المستخدم من التنقل بينها والعمل عليها في وقت واحد . بعبارة أدق ، تحتوي شاشة العرض أكثر من نافذة لأكثر من نظام ثانوي في وقت واحد . المشكلة هنا ، أن المستخدم المتمكن من برمجيات نظم المعلومات الجغرافية قد تيسر له الكثير و اختزل الزمن عنده . بالمقابل صعبت عملية التعلم والتمكن من البرمجيات للكثيرين ممن يجد أن التقنيات العصرية صعبة الاستيعاب والاستخدام لكثرة خياراتها وتشعب وظائفها .
يتطلب هذا ، من المستخدم الانتقال من حالة الاستخدام البدائي للحاسبة و برمجيات نظم المعلومات الجغرافية إلى الاستخدام المعمق والشامل الذي يجعلهما أداة بيد العقل البشري للإبداع و وإطلاق الطاقات الخلاقة للاستخدام الأمثل للحاسبة والبرمجيات . أي استخدام تقنيات العصر بما يتناسب مع قدرة الإنسان العقلية التي أنتجتها و طورتها ، خاصة بالنسبة للجامعيين والمهنيين المتخصصين والمعنيين بها .